El Ghibli - rivista online di letteratura della migrazione

عربية / english / español / franais



الرسائل التي لم تكتب

بقلم: سونيل ديباك

جيجي, اليوم هو عيد ميلادك. لا أعرف ماذا ستفعلين, ولكن أنا قررت أن أحتفي به.
ليا, صاحبة بيتي, هي المدعوة. إنها في الصالة أمام التلفاز و أنا هنا في المطبخ لأحضر الباذنجان. في البداية حمّرتهم ببطء على النار, الآن وضعتهم في الماء البارد لأنزع عنهم القشر ثم سأحضرهم بالبصل و الطماطم, كما كانت تحضرهم أمي. هل تذكرين يا جيجي عندما كنا نقف في المطبخ بجانب أمنا لكي نحضر طبقنا من "البارانثا"؟ كنت لا أتمكن أبداً من مدّ العجين بأشكال دائرية أو مربعة, قطع اﻟ"بارانثا" كانت تأتي كلها غير متناسقة, ولكن أمي كانت تطبخهم هكذا كما هم. هل تدرين أنني الآن أعرف كيف أُحضّرهم جيداً؟ كاملين في الشكل, مدورين أو مربعين, مع طبقات رقيقة تذوب في الفم. ليا تحب تناولهم. علمتها كيف تحضر اﻠ"بارانثا", اﻠ"روتي" و اﻠ"نآن". في الشهر الماضي هطل الثلج كثيراً و كان المشي صعباً لغاية البلد لشراء الخبز, لذا طبخت اﻟ"روتي", لي و لها, لعدة أيام. في النهاية, اﻠ"روتي" التي نحضرها لا تختلف كثيراً عن اﻠ"البيديني" التي يحضرونها هنا, يكفي أن نستخدم الدقيق المغربل و أن نضيف قليلاً من الخميرة إلى العجين. على أي حال, أنا أفضل اﻟ "روتي" بالدقيق الأسمر. ليا أيضاً. هي تقول أنها تساعدها في التبرز. أصدقائي يدعون أنني أجيد طبخ الأطباق الهندية. أنا أعتقد أنه عندما أطبخ لا يضطرون للدفع, بينما يدفعون فيما إذا ذهبوا إلى المطعم, لذا فأنه من السهل أن يمدحوا مقدرتي في الطبخ. ولكن أعتقد أن ذلك صحيح: لقد تعلمت أن أطبخ جيداً تماماً. جيجي, أنتِ تعرفين كم هو غريب هذا المكان! أنتِ تكبرينني بسنة واحدة فقط, ولكن لا أستطيع أن أناديك باسمك. بالنسبة لي أنتِ جيجي فقط, شقيقتي الكبرى. بينما ليا عمرها 47 سنة تقريباً و أنا أناديها باسمها, كما لو أنها من أقراني. هذه هي العادة هنا: أن تنادي الجميع بأسمائهم. لا يوجد أحد يدعوك أخ أو عم. اليوم أنتِ أكملتِ 31 عاماً. عندما كنت طفلاً كنت أعتقد أن الأشخاص الذين يبلغون الواحدة و الثلاثون من العمرهم كبيرين جداً في السن, ولكن أن تملك هنا 31 عاماً كما لو أنك لا زلت طفلاً. غالباً الفتيات لا يتزوجن قبل أن يبلغوا اﻠ 35 أو اﻠ 38 عاماً و في كثير من الأحيان يتعايشون دون أن يتزوجون. لا يريدون أولاداً. أقصى حد طفلاً واحداً, ولكن إذا لم يأت, الأمر سيان. الكل يريد أن يعيش حياته و, في نهاية المطاف, كل واحد يفكر قبل كل شيء بنفسه. عندما يكون الجو حاراً ليا أيضاً ترتدي البيكيني و تتمدد على غطاء في الحقل, لتأخذ حمام شمس. في البداية كنت أجد ذلك أمراً غريباً جداً. كنت أخجل من رؤيتها هكذا, كنت أنظر إليها بخفية فقط. ثم, رويداً رويداً, اعتدت أن أرى جسدها. عندما كانت تدور حولي بلا ثياب, عارية تماماً, كيف كان بإمكاني أن لا أراها؟! جسدها كامرأة. إمرأة عجوز. في النهاية الجسد هو جسد فقط, لا أكثر و لا أقل. إستغرقت وقتاً طويلاً لأفهمه. ولكن حتى عندما يتمكن المرء من فهمه, قصصنا, التي تعيش في داخلنا, لا تسمح لنا أن نتغير بهذه السهولة. كنت قد فهمت أن الجسد هو جسد فقط, ولكن كنت لا استطيع أضع نفسي أمامها بسروال قصير. هي كانت تقول لي:"كيف تستطيع أن تبقى دائماً مغطى؟ في بلدك حتى الرجال يجب أن يغطوا أنفسهم مثل النساء المحتجبات؟".

كان من العبث التكلم مع ليا عن الاختلافات ما بين المسلمين و الهندوس. كيف يمكنني التكلم عن إحساس الخجل, أمام جسدك, الذي يلقنونك إياه من الصغر, إذا كنت لا أستطيع أن أشرحه حتى لنفسي؟ و كيف يمكن التكلم عن هذه المواضيع مع الآخرين؟ استغرق ذلك بعض الوقت, ولكن في النهاية تمكنت منه. ذلك يتطلب الشجاعة في المرة الأولى عندما تكون لم تفعله أبداً, ولكن فيما بعد تكتشف أن هذا الخوف هو مضحك. الآن, في الصيف, أخرج أنا أيضاً بالسروال القصير و بدون قميص. في المرة الأولى بدا لي و كأن الجميع ينظرون إلى جسدي الغريب و ربما يضحكون منه. الآن أعتقد بأننا جميعاً غرباء الشكل و لا أحد يهتم بجسدي الغريب الشكل! ثم من ينظر إلي هنا؟ توجد ليا فقط. يجب أن أحضر اﻟ"ماسالا" لأطبخ الدجاج. سأقطع البصل, بعض فصوص الثوم و بعض قطع الزنجبيل, ثم سأخلطهم مع بعض. بينما أقوم بكل هذه الأعمال, سأتابع الحديث معك. عبارات رسالتك تطن في رأسي. كنت قد فقدت باصي الاعتيادي و رجعت متأخراً إلى البيت. لم أتوقف عند ليا لأحييها, ولكن ربما هي لا زالت تنتظرني. سمعت نداءاً من الخلف ثم سلمتني رسالتك. لم أفتحها حتى. أعرف مسبقاً ماذا كتبت لي. تكتبين دائماً نفس الأشياء كما في كل مرة. لا أعرف ماذا أجيبك يا جيجي؟ عندما أجلس في كل مرة لأكتب إليك, لا أستطيع أن أفكر بأي شيء. هل تذكرين عندما كنا نتكلم و نحن صغار؟ لماذا رفعنا هذا الجدار بيننا الآن؟ لا أستطيع أن أفهم ما تقولينه لي و لا أستطيع أن أقول لك شيئاً من كل ذاك الذي أود قوله. أستطيع أن أتكلم معك بهذه الطريقة فقط, بالكلمات التي تبقى مغلقة في داخلي. أتى إميليو إلى المطبخ, كلب ليا. ربما شم رائحة الدجاج. وقف أمامي و نظر إلي بعينين حيث يجعلونك تفكر بأطفال إثيوبيا الجائعين. يبدو و كأن هذا المسكين لم يأكل منذ يومين. اعرف بان الأمر مجرد تمثيل, ولكن يسرني أن أقدم له الطعام من طبقي. ليا تقول بأنني دللته. ربما هذا صحيح. في هذه الأيام, هذا المسكين يملك ثلاثة قطب في رأسه مع الضمادة. يبدو و كأنه خرج من فيلم. احد أغبياء الضيعة فعل هذا. إميليو كلب لطيف. لم أسمعه ينبح أبداً. فلنقل أنه غريب الأطوار قليلاً, ولكن بمعنى طيب. ليس طبيعياً أن يكون كلب هكذا, حيث يكون مستعداً ليتبعك إلى أي مكان, بذيله الذي يتحرك كمسّاحات السيارات أثناء المطر. من يعلم فيما إذا كان يوجد كلاب مغوليين؟ على أي حال, ماذا يمكن أن يفعل كلب مثله أمام أولاد القرية الطائشين؟ أولاد القرية يعادون ليا. يأتون في الليل و يكتبون عبارات بذيئة على الجدار أمام بيتنا. أحياناً يقذفون النوافذ بالحجارة. في البداية كنت لا أفهم سبب هذا الحقد, افهم أن أولاداً من هذا الصنف يعادون الأجانب, مع أشخاص مثلي حيث أملك بشرة داكنة. ولكن لماذا يعادون عجوزاً في اﻠ75 من العمر؟ كنت لا أستطيع أن أفهم ذلك. ثم, في أحد الأيام سألت ليا عن الوشم الموجود فوق ذراعها و هكذا فهمت الموضوع. ليا كانت يهودية. عندما كانت في الحادية عشر من العمر, أخذوها إلى مكان مخيف. ليا تسميه معسكر إعتقال. هذا المكان عندما يروى بهذه الطريقة, يبدو و كأنه مكاناً لصنع معلبات الطماطم أو أوعية الحليب, ولكن ليا تقول بأنه كان مكاناً مرعباً. كان سجناً أين قضى أهلها نحبهم. أبويها, أخاها الذي كان يبلغ السادسة عشر من العمر و شقيقتها التي كانت تصغرها بسنتين. ذاك الوشم كان علامة ذاك السجن. عندما روته لي, في ذلك اليوم, قررت أن أبقى في هذا البيت. بوصولي إلى هنا, كنت لا أستطيع أن أجد مكاناً أبقى فيه. ليا كانت الوحيدة التي قبلتني. الآن أعرف أشخاصاً كثيرين و, إذا شئت, أستطيع أن أجد غرفة مريحة أكثر و ليست بعيدة كثيراً من المصنع. و لكن الآن لا أريد أن أترك ليا لوحدها.

ليا تضجّ بالحياة. كم أود لو تأتي إلى هنا لتتعرفي عليها. بهذه الطريقة أنت أيضاً ستتمكنين من أن تصبحي أكثر شجاعة. لا أعرف لماذا لم نتمكن من أن نتكلم عن ماضينا, كما تفعل ليا. هي تبكي. هي تصرخ. فوق كل شيء عندما تشرب قليلاً. تروي قصصاً عن حياتها, قبل أن تذهب إلى معسكر الاعتقال. في كثير من الأحيان لا أستطيع أن أضبط نفسي فأبكي معها. "ماتوا جميعا, لماذا لم أمت أنا؟", تسألني. كيف يمكن الإجابة على سؤال من هذا القبيل, جيجي؟ أتفكرين أبداً بأمك؟ أتتساءلين لماذا ماتت أمنا و نحن لم نمت؟ لماذا لم نمت سوية معها, لماذا لا زلنا على قيد الحياة؟ جيجي, لقد استلمت رسالتك و أنا مسرور لأنك بخير". في كل مرة أجلس لأكتب لك, لا أستطيع أن أتجاوز هاتين الكلمتين. كم من الأشياء أود أن أقولها لك, ولكن أعرف أنني محاصر بجدران عالية جداً و لا أعرف كيف أتجاوزها. هذه الجدران التي تفصلني عنك. أصبحت متمرساً في رواية الأكاذيب. لا أملك المقدرة لكتابة ما أشعر به حقيقة, و هكذا في كل مرة أكتب لك نفس الأكاذيب في البطاقة البريدية. "أنا بخير. أعتذر لأنني أكتب لك بطاقة, ولكنني مشغول جداً. أخاك الذي يكن لك كل الاحترام". بينما أود أن أمسك برسائلك, أتوقف عند كل جملة و أناقشها معك. الأشياء التي تكتبينها هي كالشظايا, تقطعني في كل مرة أفكر بها. أنت تكتبين:"عزيزي مونّا, أسأل الله أن يوفقك". كيف تكتبين أمراً كهذا و أنت تعرفين بأنه غير حقيقي؟ إذا كنت حقاً تريد التوفيق لي لماذا تتجاهلين ذاك الذي أقوله لك؟ تتظاهرين بأنك لا تفهمين, و لكنني واثق من أنك تفهمين ماذا أريد أكثر من أي شيء آخر. لقد قررتِ أن تضحي بنفسك, تريدين أن تنتحري خطوة في كل مرة, ببطء, كل يوم. ذاك الذي تسميه "واجبنا الأخلاقي و الوجداني" هو انتحار. ما هي هذه الأخلاق التي تستند على اللا أخلاقية؟ أي مجتمع يريد أن نتصرف بهذا الشكل؟ و إذا ما أراده, كيف يمكن أن يطلبه مني أو منك؟ أعتقد بأن لا أحد طلبه منك, أنت التي قررت ما هي ذنوبك و ما هو عقابك. هذا هو الجدار الذي يفصلنا. هذا الجدار من الأكاذيب. هذا الجدار المصنوع من أشياء لم تقال. هذا الجدار الذي نشأ من انعدام الشجاعة لعدم تسمية الأشياء بأسمائها الصحيحة. كيف يمكننا أن نتكلم نحن الإثنان إذا كنا لا نستطيع حتى أن نسمي الأشياء بأسمائها الصحيحة؟ أنت تكذبين علي يا جيجي, أنت لا تريدين الخير لي. أنت تريدين أن أنحني مثلك أمام الواجب الأخلاقي للابن تجاه الأب, دون نقاش, دون شكوى. أنت حددت هذه الأخلاقيات. لن أفعل ذلك أبداً. كيف تستطيعين القول أنك تريدين الخير لي ثم تسألينني أن أفعل شيئاً ضد فطرتي؟ إذا كنت حقاً تريدين أن أكون بخير لا تطلبينه مني ثانية. ليا تقول أن هذه هي حياتها, الحياة التي تشبثت بها, لكي لا تتركها تفر من يدها. "ضحيت بعائلتي من أجل هذه الحياة. سأبكي. سأبكي. ولكن سأعيش هذه الحياة كما أريدها أنا. ليس لي فقط. من أجلهم أيضاً حيث ماتوا في غرف الغاز, قتلوا من قبل الجزارين. حياتي هذه هي ملكهم كلهم. هم يعيشون في نفسي", تقول ليا. إنها حياة أمنا يا جيجي, تلك, ألا تطلب منك الحق في أن تعيشي؟ أعرف ماذا ستجيبينني. "لم أكتب أي شيء من كل هذا في رسالتي". هذا صحيح, أنت تستطيعين أن تقولي كل هذا دون أن تستخدمي أية كلمة. تقوله عيناك. عندما تُصلّين لساعات, و أنت ترتدين الساري العتيق و الممزق, ماذا يمكنك أن تضيفي؟ ماذا أستطيع أن أفكر عندما تبتسمين لي و تقولين:"كُلْ. لقد حضّرته لك. أنا سآكل فيما بعد". من سألك أن تذمي الحياة و أن تضعي قناع الأرملة, لكي تتذكري ذاك الذي كان يملك أعواماً أكثر منك و طلب منك أن تسددين دينه؟ بأي شيء يمكننا أن نفكر عندما تكلميني عن واجب الابن؟ هذا صحيح, أنت لم تكتبينه, ولكن أستطيع أن أقرأه ما بين السطور. هذه الأشياء التي لم تُقل, هي الشظايا التي تتضمنها عباراتك. كوني صريحة. أنت تودين أن تقولي كل هذه الأشياء, ولكنك تخفينها بطريقة تثير الشفقة.

هل تذكرين, يا جيجي, كيف كنا نتمكن من أن نفهم بعضنا البعض حتى دون أن ننبس بكلمة؟ أنا و أنت معاً لكي نحمي أمّنا. أتذكرين مناقشاتنا تلك؟ أو ربما نسيتيها؟ عندما كنت طفلاً كنت أتمكن من فهمك حتى دون أن تتكلمي و اليوم لا أستطيع أن أفهم كلماتك, ربما لأنني لم أعد أستطيع أن أكلمك بشكل طبيعي. أستطيع فقط أن أوجه لك أسئلة غاضبة ... و في عزلتي فقط. ليا دخلت إلى المطبخ, تريد بعض الماء. قالت بأنها نادتني, ولكنني لم أسمعها. أنشف عيني و أحاول أن أبتسم لها:" ياللبصل! كيف يمكن تقطيع هذه البصلات دون أن نذرف الدموع؟". أحس بابتسامتي المزيفة, ولكن ليا لا تكترث للأمر. لا تطلب مني شيئاً. هي تفهم. تعرف أن حفلة اليوم هي من أجل عيد ميلادك. ليا تعرف بأن جروح الروح لا تندمل أبداً. لا يتطلب الأمر أن أشرح لها.. أليس غريباً أنه اليوم, من أجل عيد ميلادك, نحن سنأكل الرز مع الدجاج و أنت ستأكلين الرز و العدس خفية في المطبخ, مثل لصّة, مثل الذي لا يملك الحق في أن يأكل؟ كيف أستطيع أن أشرح لك أنه لو لم تكوني أنت في ذلك البيت, لما كنت بعثت بقرش من أجله؟ بإمكانه حتى أن يموت من الجوع, لا يهمني. "شكراً لله, نحن كلنا بخير", كتبت. من هم هؤلاء "الكل" يا جيجي؟ و كيف تمكن الله من الدخول بيننا نحن الإثنين؟ عندما كنا بحاجة إليه, أين كان إلهك ذاك؟ لماذا أتى الآن, يريد أن يسخر منا؟ لماذا نحن بخير يا جيجي؟ إذا كان كل شيء انتهى, كل شيء دمر, كيف يمكننا أن نكون بخير؟ كلها أكاذيب. أكاذيب, من البداية إلى النهاية. لا يوجد أي شيء على ما يرام و لن يتحسن أبداً, إذا أنت أصررت على أن تقتلي نفسك بهذه الطريقة. هل تذكرين أمنا يا جيجي؟ هل تذكرين عندما كانت أمنا تعطيني الحلة لآكل الحليب المخثر في القاع و أنت تنظرين إلي؟ هل تذكرين عندما كنا نذهب لجمع روث الأبقار؟ روث دافئ و طري. هل تذكرين كيف كنا نشعر به في أيدينا؟ هل تذكرين رائحة الخف, مع روث الأبقار الجاف, معلقين على الجدار؟ إنتو, بنتو, أين أكذب, ثمانين, تسعين, كلهم مئة. هل تذكرين لعبتنا ببذور التمر الهندي؟ إذا كنت تذكرين كل هذه الأشياء, إذن حقاً تذكرين أمنا, يا جيجي. اشرحي لي, إذن, كيف يمكننا أن نكون بخير؟ بنسيان أمنا, هل يمكننا أبداً أن نكون بخير؟ "شكراً لله ...", عندما كتبتيها, هل ارتجفت يدك؟ هل تذكرين كيف كانت تسعل أمنا؟ حافة ساريها في زاوية فمها لكي لا تحدث ضجة, هل تذكرين و هي تسعل بتؤدة أثناء الليل؟ "أيها العاهرة الزنديقة, إبنة الكلبة, أنت لا تساوين شيئاً, سأريك عضوي التناسلي, سأريك إياه الآن! لا تدعيني أنام أثناء الليل, أيها الساحرة الشمطاء". هل تذكرين وقع اللكمات عندما كانت تصيب اللحم؟ لا يمكنك نسيان ذلك الصوت. عندما مقدمة الحذاء تصطدم بالضلع, يصدر صوتاً كما عندما ينكسر غصن شجرة, هل تذكرين ذلك الصوت؟ زوجك أيضاً كان يضربك هكذا؟ سعالها ذاك لا يدعني أنام يا جيجي. كانت أمنا تسعل طوال الليل. هل تذكرين الدم على ساريها؟ لماذا لم يأت الإله لينقذها؟ أين كان إلهك هذا عندما أخرجوها من البئر؟ هل تذكرين أمنا و هي ممددة بجانب البئر؟ كانت هكذا بيضاء و منتفخة. هل تذكرين سحابة الذباب التي كانت تحوم حولها؟ انتحار, ادّعوا. أعرف أنك تذكرين كل شيء, لم تنس أي شيء.

ولكن إذا كنت لم تنس ذلك, كيف خطر ببالك أن تذهبي و تعيشي معه؟ لا أستطيع أن أفهم ذلك. إنه الجدار الموجود بيننا نحن الإثنين. لا أستطيع أن أفهمك, يا جيجي. كيف تغيرت هكذا؟ "أود أن أراك متزوجاً و سعيداً مع عائلتك", كتبتِ. لماذا, يا جيجي؟ بعد تلك الكوميديا التي كانت زواجك, كيف يمكنك أن تفكري بالزواج؟ أتذكرين ذلك العجوز ذو الشاربين البيضاويين الكبيرين الذي اشتراك؟ كم بكيت, لكم يوم! ولكن هو لم يشعر بأية رحمة تجاهك. ماذا جنيت لقاء دورك كابنة مطيعة؟ جنيت ولدين, أكبر سناً منك, حيث كنت تطبخين لهم و تنظفين البيت. أولئك الأولاد اصطحبوك إلى البيت عندما مات العجوز. لا أريد عائلة. رأيت زواجك و هذا يكفيني. أتكلم معك داخل رأسي و أسمع عقلي يدور كزوبعة. نفس الأسئلة تتابع تعذيبي في الداخل. لا أستطيع أن أفكر بأي شيء جديد, أتابع التفكير في الماضي. أنت قررت أن تهربي من العالم, متحصنة خلف قناع واجب الابن. لماذا اتخذت هذا القرار؟ لا أستطيع أن أفهمه. و لكن أنا لم أتخذ قراراً هكذا و لن أقبله أبداً. يمكنك البقاء هنالك لكي تخدميه, مغلقة داخل سجنك كأرملة. سأحتفي بعيد ميلادك, لا يهمني شيئاً من هذه التقاليد القديمة, لا يهمني أي شيء مما تقوله كتبك المقدسة. أنا اخترت الحياة. ليا تنادي إميليو. عندما أسمعها تنادي إميليو, أشعر ببعض الغرابة. إميليو كان اسم زوجها حيث كانت تحبه كثيراً تقول بأنها لهذا السبب قررت أن تسمي كلبها إميليو. تقول أن لمس جسد كلبها الدافئ يجعلها تشعر أقل وحدة. "كم من الوقت يتطلب للأكل؟", تسألني. أنا مستغرق تماماً في هذا النقاش معك, لدرجة يلزمني بعض الوقت لأستطيع الإجابة. "ساعة تقريباً". هي لا تعترض, تجلس هناك بصبر. هي تعرف أنني اليوم بشكل خاص مستغرق في الذكريات. ولكن سوف لن تسألني أي سؤال. تنتظر أن أكلمها في يوم ما عن هذه الأباليس التي تعيش في داخلي. إنما أنا أعرف إنني سوف لن أستطيع أبدا إخبارها. هذه الأباليس لن أستطيع أن أقاسمها مع أحد. أحرك الدجاج في الحلة بالمغرفة و أنا أفكر بأمي. هي لم تأكل لحم الدجاج أبداً. أنت هل تذوقتيه أبداً؟ عندما كان هو يجلب اللحم إلى البيت, كان يعطيني قطعة لي فقط. هل تذكرين يا جيجي كيف كنت آكلها أمامك, ببطء, لكي أجعلك تشعرين بالغيرة؟ كنت فتاة صغيرة فقط, كان يقول هو. "عندما تصل الرسالة, أبي ينظر إلي بعيون تغص بالشفقة. لا تلزمني الكلمات لأفهم ما يريد. أعرف أنه يريد أن يعرف ماذا كتبت في الرسالة, مسكين, لا يستطيع أن يتكلم و اللعاب يسيل من زاوية فمه. يملك نظرة تجعلني أبكي. كيف يمكنك أن تكون عديم الرحمة هكذا يا أخي الصغير".

على الأقل لقد فعل هذا الإله شيئاً وحيداً صحيحاً, يجب أن أقرّ به, عندما شلّ نصف جسده. لو الأمر بيدي, لجعلته يموت ببطء, نعم, عديم الرحمة, ولكن هو ماذا فعل بك, بأمنا و بي؟ هو يستحق العقاب. ولكن أنت لماذا قررت أن تقاسميه العقاب؟ كيف تمكنت من أن تصفحي عنه؟ هل يوجد فقط واجب الابن؟ ألا يوجد واجب الأب؟ أي واجب احترم هو ليستحق خدماتك؟ هو كان يستحق السجن. أتابع التفكير أنني لم أتمكن من فعل أي شيء لك و لأمنا. كنت أريد حلل الحليب و قطع لحم الدجاج. كيف فعلت أن لا أفكر أنك أنتِ أيضاً كنت إنسانة, و أنه يمكنك امتلاك بعض الرغبات؟ عندما باعك, لماذا لم أمتلك القدرة لمعارضته؟ عندما كان يضرب أمنا, لماذا لم أمتلك القدرة لإيقافه؟ أنت عفوت عنه, ولكن أنا لا أستطيع أن أفعل ذلك. عندما كان يبيعك, أنا كنت قلقاً من أجل الجامعة فقط, أنت لا تعرفين كل القصص الدنيئة. لا تعرفين أين ذهبت معه قبل الزفاف. كنت أحس بالشباب يستيقظ في داخلي. كنت مسروراً من الذهاب معه. "أريد فتاة يافعة من أجل إبني. إنها المر ة الأولى لذا نريد فتاة خاصة". ذاك الأب و ذاك الابن. متشابهين. نفس الدم القذر. كان قد دفع ألف روبية. لم أتساءل حتى عن مصدر تلك النقود. كان عربوناً لقاء بيعك. كيف يمكنني العفو عنه؟ أتمنى أن يموت كالملعون. أنتِ عفوتِ عنه. أنا لا أستطيع أن أعفو عنه و لا عني.

سونيل ديباك من مواليد 1954, لوكنو, الهند. مجاز في الطب من جامعة نيودلهي. يعيش في مدينة بولونيا (إيطاليا) منذ عام 1988 و يعمل كمسؤول في المكتب العلمي للجمعية الإيطالية "أصدقاء راؤول فولليرو" و كمستشار للمنظمة العالمية للصحة. عضو في المرصد الإيطالي للصحة العالمية. كتب قصصاً عديدة باللغة الهندية و هو عضو في لجنة تحرير المجلة الالكترونية الهندية "نيرانتار". كتب مقالات علمية و طبية كثيرة بالإيطالية و الإنكليزية في مجلات علمية و غير علمية. يدير موقعاً ثلاثي اللغات و مدونات متعددة, بما في ذلك مدونة بالإيطالية.
www.nirantar.org
www.kalpana.it
www.kalpana.it/ita/blog/

ترجمة: يوسف وقاص

Home | Archivio | Cerca

Internazionale

 

Archivio

Anno 4, Numero 17
September 2007

 

 

©2003-2014 El-Ghibli.org
Chi siamo | Contatti | Archivio | Notizie | Links